رحلة تعلُّم لداعمي بيئة مجال العمل

الثقافة في الفضاء المدني في
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

عن رحلة التعلّم

تواجه المؤسسات الثقافية والفنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العاملة في الفضاء المدني حالة دائمة من عدم اليقين. فالقمع السياسي وتقلّص الفضاء المدني وانعدام الاستقرار المالي ليست مجرّد تحدّيات عابرة، بل هي واقعٌ يومي يتعيّن على المؤسسات التعامل معه.

على مدى عقود، تلقّى القطاع المدني أشكالاً مختلفة من الدعم، غير أنها غالباً ما اقتصرت على الاستجابة للحالات الطارئة من دون أن تفضي إلى بناء منظومة راسخة ومستدامة تلبّي تطلعات هذه المؤسسات وتدعم الفضاء المدني والعاملين فيه.

آن الأوان لتغيير هذا الواقع ودعم الانتقال نحو مستقبل أكثر إشراقاً وقدرةً على الصمود. ويقتضي ذلك الانتقال من الحلول المؤقتة إلى نهج يقوم على الرعاية المستمرة، ومن تحويل الجهود الفردية إلى شبكة تعاونية متكاملة.

يرتكز البرنامج على هذه الرؤية، ويجمع اثنتي عشرة مؤسسة فنية وثقافية من أنحاء المنطقة، تعمل جميعها في الفضاء المدني، لفهم ماهية الاضطلاع بدور الداعم لمجال العمل ألا وهو: بناء العلاقات وإتاحة مساحات للآخرين وتعزيز الممارسات والظروف المشتركة التي تُسهم في استدامة المجال بأكمله.

عبر اللقاءات وتجارب التعلّم المشتركة، وبفضل منح تجريب الأدوار والتدخلات المصمّمة خصيصاً لاختبار دور الداعم لمجال العمل، يتيح البرنامج فرصة للتأمل والتواصل واستكشاف مقاربات مبتكرة تسهم في دعم المجال.

وفي جوهر هذه الرحلة تكمن قوّة الخيال، تلك القدرة المتأصلة في مجال الفنون والثقافة، والتي تمنحنا منظوراً جديداً لابتكار أشكال الدعم والتضامن وتعزيز الاستدامة، كما تفتح آفاقاً واعدة لمستقبل الفضاء المدني في المنطقة.

"كُنَّا إذ نَعضُّ الصخْرَ نفتحُ حَيّزاً للفُلّ"

- محمود درويش, ١٩٩٩ -

ترشد هذه الكلمات برنامجنا، فهي تعبّر عن واقع الشحّ والمعاناة، لكنها في الوقت نفسه تنبض بالإصرار، وتعكس الأمل في جمال محتمل. ففي عالم من الصخر، ماذا يعني أن نفتح حيّزاً للفلّ؟

بالنسبة إلى العديد من المؤسسات الفنية والثقافية في المنطقة، هذا السؤال لا يعدّ استعارةً شعرية، بل يمثل جدول أعمالها اليومي: مواجهة الضغط المستمر والإرهاق المزمن وشبكات الدعم المهترئة، في مساحة تكاد لا تتّسع لأنفاسها.

يهدف هذا البرنامج إلى كسر الحلقة، من خلال فتح مساحة، ولو صغيرة، تجتمع فيها المؤسسات لتتشارك وتتأمل معاً وتتبع مساراً مختلفاً. وسط قيود الواقع، نطرح معاً أسئلة أساسية: ما الإمكانات التي يمكن أن تتبلور حين نمنح أنفسنا الحق في التخيّل معاً؟ وما الأدوار وأشكال الدعم الجديدة التي قد تزدهر إذا أُتيحت لها هذه المساحة؟ وأي احتمالات قد تتفتح، مثل الفل الذي يختار النمو بين الصخور؟

ما هو دعم مجال العمل؟

في جميع القطاعات، بما في ذلك الثقافة والفنون، هناك أفراد ومجموعات ومؤسسات لا يقتصر دورها على الإبداع أو الإنتاج، بل يشمل بناء جسور التواصل والاستماع وتهيئة الظروف التي تمكّن الآخرين من النمو والتعاون والتكيّف.

يعمل هؤلاء الداعمون غالباً في صمت، مستندين إلى قوة العلاقات التي يبنونها. عيونهم ترصد ما يتبلور من أفكار جديدة، يلاحظون الفجوات ويعملون على سدّها، ويُشرّعون الأبواب أمام تبادل الموارد والمعرفة، ويخلقون مساحات للتأمل والرعاية والخيال. قد لا تظهر أدوارهم إلى العلن، لكنها تبقى جوهرية في تعزيز قوّة المجال وضمان استدامته.

يُعرف هذا النوع من العمل أحياناً بدعم مجال العمل، أو تحفيز مجال العمل، أو بناء المنظومة الحيوية. قد تختلف التسميات، لكن الجوهر يبقى واحداً: تعزيز المجال بأكمله، لا سيّما في سياقات تتقلّص فيها الفضاءات المدنية ويواجه المجال الثقافي ضغوطاً مستمرة.

تشكّل رحلة التعلّم هذه ملتقى لهؤلاء الداعمين ولمن يطمح للانضمام إليهم، من خلال بناء مساحات تمكّنهم من التأمل في عملهم، وتجربة أفكارهم، وإعادة تشكيل ممارساتهم. لا يهدف البرنامج إلى حصر هذا الدور في تعريف واحد، بل إلى الاحتفاء بتنوعه، وتبادل المعارف وبناء القدرات المشتركة، وتعزيز أثره.

يضمّ البرنامج اثنتي عشرة مؤسسة من مصر وتونس والأردن والمغرب ولبنان، تقدّم كلّ منها تعريفاً فريداً لدور الداعم  لمجال العمل،
ينبع من عمق سياقاتها المحلية ويستجيب لاحتياجات واقعها اليومي. من تجريب هياكل الدعم اللامركزية إلى مواجهة الإرهاق النفسي،
ومن إنشاء مراكز متنقلة للمعرفة إلى إعادة بناء الثقة، يعكس عمل هذه المؤسسات مدى تعقيد هذا المجال وحجم الرعاية والشجاعة والالتزام الضروري لدعمه.

Scroll to Top